الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال بعض الناس: {ابنوا عليهم بنيانًا} لا يحدد عقيدتهم {ربهم أعلم بهم} وبما كانوا عليه من عقيدة. وقال أصحاب السلطان في ذلك الأوان: {لنتخذن عليهم مسجدًا} والمقصود معبد، على طريقه اليهود والنصارى في اتخاذ المعابد على مقابر الأنبياء والقديسين. وكما يصنع اليوم من يقلدونهم من المسلمين مخالفين لهدى الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» ويسدل الستار على هذا المشهد. ثم يرفع لنسمع الجدل حول أصحاب الكهف على عادة الناس يتناقلون الروايات والأخبار، ويزيدون فيها وينقصون، ويضيفون إليها من خيالهم خيالهم جيلًا بعد جيل، حتى تتضخم وتتحول، وتكثر الأقاويل حول الخبر الواحد أو الحادث الواحد كلما مرت القرون:{سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرًا ولا تستفت فيهم منهم أحدًا}.. فهذا الجدل حول عدد الفتية لا طائل وراءه. وإنه ليستوي أن يكونوا ثلاثة أو خمسة أو سبعة، أو أكثر. وأمرهم موكول إلى الله، وعلمهم عند الله. وعند القليلين الذين تثبتوا من الحادث عند وقوعه أو من روايته الصحيحة. فلا ضرورة إذن للجدل الطويل حول عددهم. والعبرة في أمرهم حاصلة بالقليل وبالكثير. لذلك يوجه القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ترك الجدل في هذه القضية، وإلى عدم استفتاء أحد من المتجادلين في شأنهم. تمشيًا مع منهج الإسلام في صيانة الطاقة العقلية أن تبدد في غير ما يفيد. وفي ألا يقفو المسلم ما ليس له به عليم وثيق. وهذا الحادث الذي طواه الزمن هو من الغيب الموكول إلى علم الله، فليترك إلى علم الله.وبمناسبة النهي عن الجدل في غيب الماضي، يرد النهي عن الحكم على غيب المستقبل وما يقع فيه؛ فالإنسان لا يدري ما يكون في المستقبل حتى يقطع برأي فيه:{ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدًا}.. إن كل حركة وكل نأمة، بل كل نفس من أنفاس الحي، مرهون بإرادة الله. وسجف الغيب مسبل يحجب ما وراء اللحظة الحاضرة؛ وعين الإنسان لا تمتد إلى ما وراء الستر المسدل؛ وعقله مهما علم قاصر كليل. فلا يقل إنسان: إني فاعل ذلك غدًا. وغدًا في غيب الله وأستار غيب الله دون العواقب.وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان، لا يفكر في أمر المستقبل ولا يدبر له؛ وأن يعيش يومًا بيوم، لحظة بلحظة. وألا يصل ماضي حياته بحاضره وقابله.. كلا. ولكن معناه أن يحسب حساب الغيب وحساب المشيئة التي تدبره؛ وأن يعزم ما يعزم ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم، ويستشعر أن يد الله فوق يده، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره. فإن وفقه الله إلى ما اعتزم فبها. وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبر لم يحزن ولم ييأس، لأن الأمر لله أولًا وأخيرًا.فليفكر الإنسان وليدبر؛ ولكن ليشعر أنه إنما يفكر بتيسير الله، ويدبر بتوفيق الله، وأنه لا يملك إلا ما يمده الله به من تفكير وتدبير. ولن يدعو هذا إلى كسل أو تراخ، أو ضعف أو فتور؛ بل على العكس يمده بالثقة والقوة والاطمئنان والعزيمة. فإذا انكشف ستر الغيب عن تدبير لله غير تدبيره، فليتقبل قضاء الله بالرضى والطمأنينة والاستسلام.لأنه الأصل الذي كان مجهولًا له فكشف عنه الستار هذا هو المنهج الذي يأخذ به الإسلام قلب المسلم. فلا يشعر بالوحدة والوحشة وهو يفكر ويدبر.. ولا يحس بالغرور والتبطر وهو يفلح وينجح، ولا يستشعر القنوط واليأس وهو يفشل ويخفق. بل يبقى في كل أحواله متصلًا بالله، قويًا بالاعتماد عليه، شاكرًا لتوفيقه إياه، مسلمًا بقضائه وقدره. غير متبطر ولا قنوط. {واذكر ربك إذا نسيت}.. إذا نسيت هذا التوجيه والاتجاه فاذكر ربك وارجع إليه.{وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا}.. من هذا المنهج الذي يصل القلب دائمًا بالله، في كل ما يهم به وكل ما يتوجه إليه. وتجيء كلمة {عسى} وكلمة {لأقرب} للدلالة على ارتفاع هذا المرتقى، وضرورة المحاولة الدائمة للاستواء عليه في جميع الأحوال وإلى هنا لم نكن نعلم: كم لبث الفتية في الكهف. فلنعرفه الآن لنعرفه على وجه اليقين:{ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعًا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع}.. فهذا هو فصل الخطاب في أمرهم، يقرره عالم غيب السماوات والأرض. ما أبصره، وما أسمعه! سبحانه. فلا جدال بعد هذا ولا مراء.ويعقب على القصة بإعلان الوحدانية الظاهرة الأثر في سير القصة وأحداثها: {ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدًا}.. وبتوجيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تلاوة ما أوحاه ربه إليه، وفيه فصل الخطاب وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل والاتجاه إلى الله وحده، فليس من حمى إلا حماه. وقد فر إليه أصحاب الكهف فشملهم برحمته وهداه:{واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدًا}.. وهكذا تنتهي القصة، تسبقها وتتخللها وتعقبها تلك التوجيهات التي من أجلها يساق القصص في القرآن. مع التناسق المطلق بين التوجيه الديني والعرض الفني في السياق. اهـ.
.فوائد لغوية وإعرابية: .قال السمين: قوله: {واصبر نَفْسَكَ}: أي: احبِسْها وثَبِّتْها، قال أبو ذؤيب:وقوله: {بالغَداة} تقدَّم الكلامُ عليها في الأنعام.قوله: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ} فيه وجهان، أحدهما: أنَّ مفعولَه محذوفٌ، تقديرُه: ولا تَعْدُ عيناك النظرَ. والثاني: أنه ضُمِّنَ معنى ما يتعدَّى بعَنْ. قال الزمخشري: وإنما عُدِّيَ بعَنْ لتضمين عَدا معنى نبا وعلا في قولِك: نَبَتْ عنه عيْنُه، وعلَتْ عنه عَيْنُه، إذا اقتحَمَتْه ولم تَعْلَقْ به. فإن قلت: أيُّ غرضٍ في هذا التضمين؟ وهَلاَّ قيل: ولا تَعْدُهم عيناك، أو: ولا تَعْلُ عيناك عنهم؟ قلت: الغرضُ فيه إعطاءُ مجموعِ معنيين، وذلك أقوى من إعطاءِ معنى فَذّ. ألا ترى كيف رَجَعَ المعنى إلى قولك: ولا تَقْتَحِمْهُمْ عيناك متجاوزتَيْنِ إلى غيرهم. ونحوه {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2]، أي: ولا تَضُمُّوها إليها آكلين لها.ورَدَّه الشيخُ: بأنَّ مذهبَ البصريين أن التضمينَ لا ينقاس، وإنما يُصار إليه عند الضرورة. فإذا أمكن الخروجُ عنه فلا يُصار إليه.وقرأ الحسن: {ولا تُعْدِ عَيْنَيْكَ} مِنْ أَعْدى رباعيًا. وقرأ هو وعيسى والأعمش {ولا تُعَدِّ} بالتشديد من عَدَّى يُعَدَّي مُضَعَّفًا، عدَّاه في الأولى بالهمزةِ وفي الثانيةِ بالتثقيلِ، كقولِ النابغة: كذا قال الزمخشري وأبو الفضلِ. ورَدَّ عليهما الشيخ: بأنه لو كان تعدِّيه في هاتين القراءتين بالهمزةِ أو التضعيفِ لَتَعَدَّى لاثنين، لأنه قبل ذلك متعدٍّ لواحدٍ بنفسه. وقد أقرَّ الزمخشري بذلك حيث قال: يقال: عَدَاه إذا جاوزه، وإنما عُدِّي بـ: عن لتضمُّنِه معنى علا ونبا، فحينئذٍ يكون أَفْعَل وفَعَّلَ مِمَّا وافقا المجردَ وهو اعتراضٌ حسنٌ.قوله: {تُريد} جملةٌ حالية. ويجوز أن يكونَ فاعلُ {تريد} المخاطبَ، أي: تريد أنت. ويجوز أن يكون ضمير العينين، وإنما وُحِّد لأنهما متلازِمان يجوز أَنْ يُخْبِرَ عنهما خبرُ الواحد. ومنه قولُ امرئ القيس: وقولُ الآخر: وفيه غيرُ ذلك. ونسبةُ الإِرادةِ إلى العينين مجازٌ. وقال الزمخشري: الجملةُ في موضعِ الحال. قال الشيخ: وصاحبُ الحالِ إنْ قُدِّرَ {عَيْناك} فكان يكون التركيبُ: تريدان. قلت: غَفَل عن القاعدةِ التي ذكرْتُها: من أنَّ الشيئين المتلازمين يجوز أن يُخْبَرَ عنهما إخبارُ الواحدِ. ثم قال: وإن قَدَّر الكافَ فمجيءُ الحالِ من المجرورِ بالإِضافةِ مثلَ هذا فيه إشكالٌ، لاختلافِ العامل في الحالِ وذي الحال.وقد أجاز ذلك بعضُهم إذا كان المضافُ جزءًا أو كالجزءِ، وحَسَّن ذلك أنَّ المقصودَ نهيُه هو عليه السلام. وإنما جِيْءَ بقوله: {عيناك} والمقصودُ هو لأنهما بهما تكونُ المراعاةُ للشخصِ والتلفُّتُ له.قلت: وقد ظهر لي وَجْهٌ حسنٌ لم أرَ غيري ذَكَرَه: وهو أن يكون {تَعْدُ} مُسندًا لضميرِ المخاطب صلى الله عليه وسلم، و{عيناك} بدلٌ من الضميرِ بدلُ بعضٍ من كل. و{تُرِيدُ} على وَجهَيْها: مِنْ كونها حالًا مِنْ {عيناك} أو من الضمير في تَعُدْ. إلا أنَّ في جَعْلِها حالًا من الضمير في {ولا تَعْدُ} ضَعفًا: من حيث إنَّ مراعاةَ المبدلِ منه بعد ذِكْرِ البدلِ قليلٌ جدًا تقول: الجارية حسنُها فاتِنٌ ولا يجوز فاتنةٌ إلا قليلًا، كقولِه: فقال: مُعَيَّنٌ مراعاةً للهاء في كأنه، وكان الفصيحُ أن يقولَ: مُعَيَّنان مراعاةً لحاجبَيْه الذي هو البدلُ.قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} العامَّة على إسنادِ الفعل لـ: نا، و{قلبَه} مفعول به. وقرأ عمرو بن عبيد بن فائد وموسى الأسواري بفتح اللام ورفع {قلبُه} أَسْندوا الإِغفالَ إلى القلبِ. وفيه أوجهٌ. قال ابن جني: مَنْ ظَنَّنَا غافِلين عنه. وقال الزمخشري: مَنْ حَسِبْنا قلبُه غافلين، مِنْ أَغْفَلْتُه إذا وَجَدْتَهُ غافلًا،. وقال أبو البقاء: فيه وجهان، أحدُهما: وَجَدْنا قلبُه مُعْرِضين عنه. والثاني: أهملَ أَمْرَنا عن تَذَكُّرِنا.قوله: {فُرُطًا} يحتمل أَنْ يكون وصفًا على فُعُل كقولِهم: فرسٌ فُرُطُ، أي: متقدِّمٌ على الخيل، وكذلك هذا، أي: متقدَّمًا للحقِّ. وأن يكونَ مصدرًا بمعنى التفريط أو الإِفراط. قال ابنُ عطية: الفُرُطُ: يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي: أمرَه الذي يجب أن يَلْزَم، ويُحتمل أَنْ يكونَ بمعنى الإِفراط والإِسراف. اهـ. .قال مجد الدين الفيروزابادي: بصيرة في صبر:الصَّبر في اللغة: الحَبْس والكفّ في ضيق، منه قيل: فلانٌ صُبِرَ: إِذا أُمسك وحُبِس للقتل.قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}، أي احبس نفسك معهم.فالصَّبر: حبس النَّفس عن الجزع والسّخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.قال الإِمام أَحمد- رحمه الله-: ذَكر الله تعالى الصّبرَ في القرآن في نحوٍ من تسعين موضعًا، وهو واجب بإِجماع الأُمّة. وهو نصف الإِيمان؛ فإِنَّ الإِيمان نصفان: نصفٌ صبر، ونصف شُكر.وهو في القرآن على ستَّة عشر نوعا:الأَوّل: الأَمر به نحو قوله تعالى: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}، وقوله تعالى: {اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ}، وقوله تعالى: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ}.الثاني: النَّهى عن ضدّه كقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}، وقولهِ: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ}، فإِن تَوْلية الأَدبار ترك الصّبر والمصابرة.الثالث: الثَّناء على أَهله كقوله: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ}، وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَائِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.وهو كثير النَّظائر في التنزيل.الرّابع: إِيجاب معيّته لهم المعيّةَ التي تتضَمّن حفظهم ونصرهم وتأْييدهم، ليست معيَّة عامّة، أَعنى مَعيَّة العِلْم والإِحاطة، كقوله: {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.الخامس: إِيجاب محبّته لهم، كقوله: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.السّادس: إِخباره بأَنَّ الصبر خيرلهم، كقوله: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}، وقوله: {وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}.السّابع: إِيجابه الجزاء لهم بأَحسن ما كانوا يعملون.الثامن: إِيجابه الجزاء لهم بغير حساب، كقوله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}.التاسع: إِطلاق البُشرَى لأَهل الصّبر، كقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.العاشر: ضمان النَّصْر والمَدَدِ لهم، كقوله: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ} وفى الحديث: «إِنَّ النَّصْرَ مع الصبر».الحادى عشر: الإِخبار أَنَّ أَهل الصّبر مع أَهل العزائم، كقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}.الثانى عشر: الإِخبار أَنَّه ما يُلَقَّى الأَعمال الصّالحة وجزاءَها إِلاَّ أَهل الصّبر، كقوله: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ}، وقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.الثالث عشر: الإِخبار أَنَّه ينتفع بالآيات والعِبَر أَهلُ الصّبر، كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، وقوله في أَهل سبأ: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، وقوله في سورة الشورى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.الرّابع عشر: الإِخبار بأَنَّ الفوز بالمطلوب، والنجاةَ من المرهوب، ودخولَ الجنَّة إِنَّما نالوه بالصّبر، كقوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.الخامس عشر: يورث صاحبه الإِمامة.وإِنَّ بالصبر واليقين يُنال الإِمامة في الدّين، كقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}.السّادس عشر: اقترانه بمقامات الإِسلام والإِيمان، كما قرنه سبحانه باليقين وبالتَّقوى والتوكُّل والشكر؛ولهذا كان الصبر من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد.ولا إِيمانَ لمن لا صَبْرَ له، كما أَنَّه لا جَسَد لمن لا رأس له.قال عمر بن الخطَّاب: خير عيش ما أَدركناه بالصّبر.
|